بسم الله الرحمن الرحيم
اعزائي الاعضاء السلام عليكم
قد تكون في هذا الموضوع اطالة لكن صدقوني قرأت هذا الموضوع ووجدت فيه فائدة كبيرة,, ولأننا مسلمين فأني رغبت في ان تعم الفائدة....ارجو ان تقرأوا الموضوع بتمعن
واليكم الوضوع:
أغلب الناس، ربما يكون ظاهرهم على صورة ولكن باطنهم يكون على صورة أخرى، ولذلك فلا بدّ للإنسان من أن ينفذ إلى داخل حياة الناس، سواء كان ذلك من خلال تجربته الخاصة في معاشرته لهذا الإنسان أو ذاك، أو من خلال اعتماده على ما ينقله الثقاة من ذلك مما شاهدوه أو مما عاشوه معه.
تعالوا نستمع إلى ما جاء في الأحاديث الشريفة في هذا الخصوص، ففي كلمة للإمام علي(ع) في (الغرر والدرر)، يقول فيها: "قدّم الاختبار في اتخاذ الأخوان، فإنّ الاختبار معيار تفرّق به بين الأخيار والأشرار". أي ميزان يبين لك من هم الأخيار ومن هم الأشرار، فلا تتخذ أخاً صديقاً إلا بعد أن تختبره بما يظهره لك واقعه في أخلاقه وفي طبيعة علاقاته وحركته في الحياة.
وفي حديث آخر له(ع): "قدّم الاختبار ـ على إيجاد العلاقة ـ وأجدّ الاستظهار في اختيار الأخوان ـ أي افحص واقع هذا الذي تريد أن ترتبط به بعلاقة الصداقة ـ وإلا ألجأك الاضطرار إلى مقارنة الأشرار"، أي إذا دخلت إلى جوّ العلاقة من دون اختيار، فقد تقع في مطبّ العلاقة المشينة مع أصدقاء السوء والشرّ.
وهناك حديث عن رسول الله(ص) في كنـز العمال: "إذا رأيت من أخيك ثلاث خصال فارجه ـ أي حاول أن ترجو مودّته وصداقته ـ الحياء ـ وهو أن لا يكون وقحاً، بل أن يكون حييّاً يلتزم خطوط الحياء في علاقته بالناس، لأن الذي يلتزم الحياء يعيش الاحترام للناس ـ والأمانة والصدق، وإذا لم ترها فلا ترجه"، أي بهذه الشروط وإلا فهو لا يستحق صداقتك.
وعن الإمام الصادق(ع): "اختبروا إخوانكم بخصلتين، فإن كانت فيهم وإلا فاعزب ثم اعزب ـ أي لا تتخذه أخاً ـ المحافظة على الصلاة في مواقيتها ـ بحيث يكون هذا الإنسان الذي تريد أن تختاره صديقاً محافظاً على الصلاة، لأنه يمكن أن يعطيك هذا الانفتاح على طاعة الله وعبادته كما يعطيك ضمانة المداومة على عمل الطاعة واحترام مواقيتها ما ينعكس إيجاباً على طبيعة شخصيته في تعاملها الاجتماعي مع الناس ـ والبرّ بالأخوان في العسر واليسر"، أي أن يكون باراً بإخوانه بأن يساعدهم ويعاونهم ويعطيهم ما يحتاجونه وما يقدر عليه.
وفي الحديث عن الإمام الصادق(ع): "إذا كان الزمان زمان جور ـ أي زمان سوء بحيث يتعامل أفراده بالظلم والجور، فلا ينصف أحدٌ أحداً، ولا يعطي أحدٌ أحداً حقّه ـ وأهله أهل غدر ـ بحيث كانوا لا يفون بالعهود، بل ينقضونها ويغدرون ببعضهم البعض ـ فالطمأنينة إلى كلّ أحد عجز"، فلا تطمئن ولا تستسلم، بل حاول أن تختبر كلّ إنسان حتى يظهر لك سرّه لترى هل أنه من أهل هذا الزمان، أي من أهل الجور والغدر، أم أنه من أهل الوفاء والعدل؟
وفي الحديث عن علي(ع): "لا تثق بالصديق قبل الخبرة ـ أي لا تعطي ثقتك للإنسان الذي ساقته الظروف ليكون صديقاً لك من خلال الواقع الاجتماعي، بحيث تسلّمه أسرارك وتطلعه على خفاياك، وتجعله يتدخّل في أمورك وشؤونك، إلا بعد أن تختبره لترى هل أنه في مستوى الثقة أو ليس في مستواها؟
ويقول الإمام الباقر(ع): "تجنّب عدوّك، واحذر صديقك من الأقوام إلا الأمين من خشي الله". فمن الطبيعي أن الشخص الذي يظهر لك العداوة لا بدّ لك من أن تتجنّبه، لأن منطق العداوة هو منطق الإضرار، فعليك أن تبتعد عنه لتبتعد بذلك عن ضرره، ولكن احذر صديقك إذا لم تستطع أن تعرف ما إذا كان أمنياً، وليس معنى الحذر هنا أن تتركه، فالإمام(ع) ميّز بين فعلين (تجنّب) و(احذر)، فمعنى الحذر أن تكون واعياً تستسلم كلّ الاستسلام، أي أن تتحفظ في علاقتك بصديقك إذا لم تثبت لك أمانته، فربّما يخفي في داخله عدواً وأنت لا تعرف ذلك، وقد جاء في قول الشاعر:
احـذر عــدوّك مرة واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصـديق فكـان أدرى بالمضـرّ
فالصديق الذي يطّلع على أسرارك كلها، ثم تحدث بينكما كدورة أو خلاف، فإنه ربما يستغلّ ما يعرفه من أسرارك مما يضرّك كشفه فيكشفها، وكما قلنا فإن معنى الحذر هو عدم الاستسلام، وهو المعنى الذي ذكرناه مراراً عن الإمام علي(ع) في قوله: "لا تثقنّ بأخيك كل الثقة فإن صرعة الاسترسال لا تستقال"، فالثقة العمياء مرفوضة، إذ لا بدّ من مسافة بينكما، حتى إذا انكشفت العلاقة عمّا لا يوحي بالثقة، وإذا تغيّر عما هو عليه من الصداقة إلى العداوة أمكنك أن تحمي نفسك منه.
وعن الإمام علي(ع) أيضاً: "ابذل لصديقك كلّ مودة ـ أعطه كلّ الحبّ ـ ولا تبذل له كلّ الطمأنينة"، ولكن لا تعطه ثقتك كلها، بل حاول أن تحتاط لتحمي نفسك منه إذا انكشف لك أنه ليس أهلاً للثقة التي منحتها له. وعنه(ع): "لا ترغبنّ في مودّة من لم تكشفه".
واليكم عناصر الاختبار :
وثمة أحاديث تبيّن العناصر التي يختبر بها الصديق، ففي الحديث عن الإمام علي(ع): "عند زوال القدرة يتبيّن الصديق من العدوّ"، فعندما تكون أمورك بخير من حيث الوجاهة والقوّة كما لو كنت شخصية اجتماعية بارزة أو دينية أو سياسية أو اقتصادية، فالناس أصدقاؤك، وعندما تزول قدرتك وتفقد جاهك ومالك وقوّتك، عند ذلك يتبيّن الصديق من العدوّ، فإن الصديق يبقى معك حتى في حال فقرك بعد أن كنت غنياً، وفي حال عجزك بعد أن كنت قوياً.
ويقول الإمام الصادق(ع): "يمتحن الصديق بثلاث خصال، فإن كان مؤاتياً فيها ـ أي منسجماً في هذه الخصال ـ فهو الصديق المصافي، وإلا كان صديق رخاء لا صديق شدّة ـ فهو صديق لتمضية الوقت، ويمكنك اختباره بأن ـ تبتغي منه مالاً ـ فلتطلب منه مالاً، فإذا استجاب لك فهو صديق، وإلا فهو غير مستعد أن يضحّي بماله أو بشيء من ماله لأجلك ـ أو تأمنه على مال ـ لترى هل أنه أمين إذا استحفظ على المال أو أنه يخونك فيه ـ أو تشاركه في مكروه"، أي أن يشاطرك في الألم لتعرف كيف يتصرّف معك في محنتك وبلائك ومصائبك.
وعن سليمان(ع) قال: "لا تحكموا على رجل في شيء حتى تنظروا من يصاحب ـ أي اختبروه بأصدقائه ـ فإنما يعرف الرجل بأشكاله وأقرانه وينسب إلى أصحابه وأخوانه". وعن علي(ع): "لا يعرف الناس إلا بالاختبار، فاختبر أهلك وولدك في غيبتك ـ لترى كيف يتحدثون عندما تغيب عنهم، هل يتحدثون عنك بالسوء أم بالخير؟ ـ وصديقك في مصيبتك ـ عندما تصاب بأية مصيبة في نفسك أو في أهلك أو مالك، فكيف يكون موقف صديقك في مثل هذه الأزمات التي تعصف بك؟ ـ وذا القرابة عند فاقتك ـ واختبر قريبك عندما تفتقر، فإذا كان يساعدك ويعاونك فهو الصديق والقريب والمخلص وإلا فلا ـ وذا التودّد والملق عند عطلتك ـ فالذي يتملّق لك بالكلمات الحلوة يمكنك أن تختبره عندما يتعطّل فيك شيء ـ لتعلم بذلك منـزلتك عندهم".
أفضـل الأصحـاب
وفي الحديث عن النبي(ص) في مَن هم أفضل الأصحاب: "قيل للنبي(ص): أي الأصحاب أفضل؟ قال: إذا ذكرت أعانك، وإذا نسيت ذكّرك"، أي الذي إذا كنت ذاكراً لله تعالى ولحقّ الصحبة وللمعروف كلّه، فإنه يكون لك عوناً في ذلك كلّه بما يزيده ويثريه. وإذا نسيت الله سبحانه وتعالى وحقوق الأخوّة وموارد المعروف، فإنه يهديك إليها بما يتوافر عليه من التزام بذلك كلّه، فهو أفضل أصحابك، لأنه يعينك في حالتين في النسيان والذكر.
وعن الرسول(ص): "إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له وزيراً صالحاً، إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه"، فإذا نسي مسؤوليته إزاء الله فإنه يذكّره بها، وإذا ذكرها فإنه يعينه عليها.
ما حـقّ الصاحـب؟
وننتقل إلى حق الصاحب، فعن الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع) في رسالة الحقوق: "أما حق الصاحب فأن تصحبه بالتفضّل والإنصاف ـبأن تتفضّل عليه بالعطاء وبالخدمة وبالتوقير، وأن تنصفه من نفسك بأن تعطيه ما له عليك من حق.
وتكرمه كما يكرمك ـ بأن تكرمه بكلّ أنواع الإكرام التي يكرم الناس فيها بعضهم البعض ـ ولا تدعه يسبق إلى مكرمة ـ وذلك بأن تكون المبادر إلى إكرامه والقيام بالأعمال التي تعتبر من المكارم ـ فإن سبق كافأته ـ فإذا كان هو المبادر فعليك أن تكافئه.
وتودّه كما يودّك ـ بأن تعطيه المحبّة والمودّة ـ وتزجره عما يهمّ به من معصية ـ فإذا رأيته يهمّ بمعصية الله، فإنّ من حقّ الصحبة أن تردعه وتنهاه عن ارتكابها ـ وكن عليه رحمة ـ بأن ترحمه في ظروفه ومرضه وفاقته وأوضاعه ـ ولا تكن عليه عذاباً"، بأن تسيء معاملته في ذلك كله.
وعن الإمام زين العابدين(ع): "وحقّ الخليط أن لا تغرّه ولا تغشّه ولا تخدعه ـ بل حاول أن تمحضه النصيحة ـ وتتقي الله تبارك وتعالى في أمره".
وعن المفضل قال: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام، فقال لي: من صحبك؟ ـ أي من كان معك في سفرك ـ فقلت: رجل من أخواني، قال: فما فعل؟ فقلت: منذ دخلت المدينة لم أعرف مكانه، فقال لي: أما علمت أن من صحب مؤمناً أربعين خطوة سأله الله عنه يوم القيامة". فعندما تصاحب إنساناً في سفر فله عليك حقّ الصحبة، وهو أن تتعرّف أمره، أين ذهب؟ وما هي أوضاعه؟ وأن لا تتركه من دون أن تتعرّف على أموره كلها، وفي هذا المجال يروى أن علياً(ع) صحب يهودياً في الطريق وكان(ع) يريد أن يذهب في اتجاه واليهودي في اتجاه آخر، لكن الإمام(ع) لازمه حتى إذا وصلا إلى مفرق الطريق واصل الإمام(ع) مسيره في الاتجاه الذي يريد أن يسير فيه اليهودي، فقال له اليهودي: يا أبا الحسن إنّ طريقك من هنا، فهل غيّرت رأيك في الطريق؟ فقال(ع): لا، ولكن رسول الله(ص) حدّثنا أننا إذا صاحبنا أحداً فإن له حقاً علينا بأن نشيّعه في خطواته حتى يبلغ مأمنه، فقال اليهودي: هل هذا هو حديث رسول الله(ص): فقال علي(ع): نعم، فقال اليهودي: مدّ يدك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله(ص).
ونفهم من هذا أن بالإمكان اجتذاب الآخرين إلى الإسلام بالأخلاق الإسلامية المنفتحة عليهم أكثر مما لو جلست معهم وحدّثتهم بطريقة فلسفية عن الإسلام، لأنّ هذه المبادرات تجتذب العقل والقلب والإحساس والشعور. ولذلك علينا في هدى هذه الأخلاق الإسلامية أن نعمل كما قال الإمام الصادق(ع): "كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الصدق والخير والورع فإن ذلك داعية". فعندما تتحركون بالصدق لتكونوا الصادقين مع الناس، والورعين معهم والأمناء عليهم، فإن ذلك يكون دعوة للإسلام، لأن الناس يرون الإسلام متجسداً فيكم في هذا الموقف أو ذاك.
وفي حديث لعلي(ع): "لا تقطع صديقاً وإن كفر"، فالمواصلة مع أصدقائك، سواء كانوا أصدقاء الإيمان أو أصدقاء الحياة ضرورية، فعليك أن لا تقطع صديقك مؤمناً كان أو كافراً، ونفهم من ذلك أنّ الإمام(ع) يريد أن يقول لك: انطلق مع الكافرين في الأخلاق الإسلامية، فربما تجتذبهم بذلك إلى خطّ الإسلام.
وفي الختام، هناك حديث للإمام علي(ع) يبيّن فيه من هم الأصدقاء، وفي هذا الحديث موعظة: "إن للمرء المسلم ثلاثة أخلاّء، فخليل يقول له أنا معك حياً وميتاً وهو عمله ـ فهو يكون معك في الحياة والممات ـ وخليل يقول له: أنا معك حتى تموت وهو ماله ـ فمال الإنسان يبقى معه حتى إذا مات أعطاه كفنه وتركه ـ وخليل يقول له: أنا معك إلى باب قبرك ثم أخلّيك وهو ولده". فأي خليل يختاره الإنسان؟ إنه العلم المنفتح على العمل، فقد ورد في بعض الأحاديث أن الإنسان إذا كان في حالة الاحتضار واستعدّ للسفر إلى اليوم الآخر، تمثّل له ماله وولده وعمله، فيقول لولده: لقد بذلت حياتي كلها في سبيلكم وأنا الآن في شدّة، فماذا لي عندكم؟ فيقولون له: نشيّعك إلى قبرك. فيلتفت إلى ماله ليقول له: لقد قطعت الفيافي والقفار حتى أجمعك من هنا وهناك وأنا الآن في شدة، فما لي عندك؟ فيقول له: خذ مني كفنك، ويلتفت إلى عمله فيقول له: كنت ثقيلاً عليّ، فيقول له: أنا معك في قبرك ثم أكون معك في حشرك، فإما إلى الجنة وإما إلى النار {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة:105]. {فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره} [الزلزلة:7ـ8].
فعلينا أن نصادق الله سبحانه وتعالى، بأن نقتدي بإبراهيم الخليل(ع) الذي صادق ربّه وصادقه ربّه واتّخذه خليلاً لأنه أخلص لله وأسلم له، فتعالوا نجلس مع الله جلسة الصديق مع صديقه والخليل مع خليله، فنعطيه من أنفسنا الإيمان والمحبة والعمل الصالح والتقوى، ليعطينا خير الدنيا والآخرة "اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل".